أسباب ارتفاع حرارة الجسم

درجة حرارة الجسم المرتفعة: التعريف، الأسباب، المضاعفات، وطرق التعامل

تشكل درجة حرارة الجسم أحد أهم المؤشرات الحيوية التي يستخدمها الأطباء لتقييم الحالة الصحية العامة للفرد، حيث تمثل درجة الحرارة انعكاساً لحالة التوازن الداخلي بين إنتاج الحرارة من عمليات الأيض والتفاعلات الكيميائية وبين فقدان الحرارة من خلال الجلد والتنفس والعرق. وعندما يحدث اضطراب في هذا التوازن وترتفع درجة الحرارة عن المعدل الطبيعي، فإن ذلك يعد مؤشراً على وجود خلل أو مرض يتطلب التقييم والتدخل المناسب.

درجة الحرارة الطبيعية للجسم

تتراوح درجة حرارة الجسم الطبيعية عند البالغين بين 36.1 و37.2 درجة مئوية عند قياسها عن طريق الفم، مع وجود اختلافات بسيطة تبعاً للوقت من اليوم، مستوى النشاط، وعوامل فردية مثل العمر والجنس. أما عند قياسها من فتحة الشرج فتكون أعلى بنحو 0.5 درجة مئوية.

ويُعتبر الشخص مصاباً بارتفاع في درجة الحرارة إذا تجاوزت قراءته ما يلي:

تصنيف ارتفاع درجة الحرارة

يتم تصنيف ارتفاع الحرارة وفق شدتها إلى ثلاث درجات:

• الحمى الخفيفة (المنخفضة): بين 37.5 و38.3 درجة مئوية.

• الحمى المتوسطة: بين 38.4 و39.4 درجة مئوية.

• الحمى الشديدة: من 39.5 درجة مئوية فما فوق.

• فرط الحرارة (Hyperpyrexia): عندما تتجاوز درجة الحرارة 41 درجة مئوية، وهو وضع طارئ يتطلب تدخلاً عاجلاً.

الآلية الفسيولوجية لارتفاع الحرارة

عند تعرض الجسم لعوامل ممرضة كالبكتيريا أو الفيروسات أو الالتهابات الداخلية، تقوم الخلايا المناعية بإفراز مواد كيميائية تعرف بالبروستاغلاندينات (Prostaglandins) التي تؤثر على منطقة في الدماغ تسمى “تحت المهاد” (Hypothalamus)، وهي المسؤولة عن تنظيم درجة حرارة الجسم. استجابة لذلك، يرفع تحت المهاد درجة الحرارة المستهدفة، ما يدفع الجسم لزيادة إنتاج الحرارة وتقليل فقدانها.

أسباب ارتفاع درجة الحرارة

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم، ويمكن تصنيفها إلى فئات رئيسية:

1. العدوى

أكثر الأسباب شيوعاً وتشمل:

• العدوى الفيروسية مثل الإنفلونزا، كوفيد-19، نزلات البرد.

• العدوى البكتيرية مثل التهاب الحلق البكتيري، التهابات المجاري البولية، والتهابات الرئة.

• العدوى الطفيلية مثل الملاريا.

• العدوى الفطرية مثل داء المبيضات.

2. الالتهابات غير المعدية

• أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي.

• التهاب الأوعية الدموية.

• الأورام وخاصة اللمفومات وسرطان الدم.

3. الحرارة البيئية

• ضربة الشمس نتيجة التعرض الطويل لدرجات الحرارة المرتفعة أو الجهد البدني المفرط في بيئات حارة.

4. الأدوية

• بعض المضادات الحيوية ومضادات الهيستامين يمكن أن تسبب “حمى دوائية”.

• الأدوية النفسية مثل مضادات الذهان قد تسبب متلازمة مضادات الذهان الخبيثة (Neuroleptic Malignant Syndrome).

5. التحسس ونقل الدم

• تفاعلات التحسس الشديدة.

• التفاعلات الناتجة عن نقل الدم أو زرع الأعضاء.

6. أسباب أخرى

• النشاط البدني الشديد.

• التسنين عند الأطفال.

• التهابات موضعية بعد التطعيم أو العمليات الجراحية.

الأعراض المصاحبة لارتفاع الحرارة

ارتفاع الحرارة غالباً ما يكون عرضاً مرافقاً لحالة مرضية، لذلك تتفاوت الأعراض المصاحبة حسب السبب، ومن أبرزها:

• التعرق المفرط.

• القشعريرة.

• الصداع.

• آلام العضلات والمفاصل.

• فقدان الشهية.

• تسارع ضربات القلب.

• جفاف الفم.

• الارتباك أو الهذيان (في الحالات الشديدة).

• الشعور بالإعياء والضعف العام.

مخاطر ومضاعفات ارتفاع الحرارة

في الحالات الشديدة أو المزمنة، قد يؤدي ارتفاع الحرارة إلى عدة مضاعفات خطيرة خاصة إذا لم يتم التعامل معها بشكل سريع:

• الجفاف: نتيجة التعرق وفقدان السوائل.

• الاختلاجات الحرارية: خاصة عند الأطفال من عمر 6 شهور إلى 5 سنوات.

• تلف الدماغ: عند تجاوز درجة الحرارة 41 درجة مئوية دون تدخل.

• الصدمة الحرارية: انخفاض ضغط الدم وفشل في وظائف الأعضاء.

• تدهور الوضع الصحي لدى المصابين بالأمراض المزمنة.

الفئات الأكثر عرضة للخطر

بعض الفئات تكون أكثر تأثراً بمضاعفات الحمى:

• الرضّع والأطفال.

• كبار السن.

• المرضى المزمنون (داء السكري، أمراض القلب، الفشل الكلوي).

• مرضى نقص المناعة.

• النساء الحوامل.

طرق تشخيص سبب الحرارة المرتفعة

يتطلب تشخيص سبب ارتفاع الحرارة إجراءات دقيقة تشمل:

1. التاريخ الطبي الكامل: تحديد بداية الحمى، نمطها، الأعراض المصاحبة، والتعرضات المحتملة.

2. الفحص السريري.

3. التحاليل المخبرية:

   • تحليل الدم الكامل (CBC).

   • معدل الترسيب (ESR) والبروتين التفاعلي C (CRP).

   • زراعة الدم أو البول.

4. فحوصات إضافية:

   • الأشعة السينية للصدر.

   • التصوير بالأمواج فوق الصوتية أو الأشعة المقطعية.

   • البزل القطني في حالات الاشتباه بالتهاب السحايا.

متى يعتبر ارتفاع الحرارة حالة طارئة؟

تتطلب بعض الحالات التدخل الطبي الفوري، ومنها:

• حرارة تتجاوز 41 درجة مئوية.

• استمرار الحمى لأكثر من 3 أيام بدون سبب واضح.

• ظهور علامات اختلال في الوعي.

• صعوبة في التنفس أو ألم في الصدر.

• الطفح الجلدي المصاحب للحمى.

• الاختلاجات، خاصة عند الأطفال.

• رفض الطفل تناول الطعام أو الشراب.

طرق التعامل مع ارتفاع الحرارة

يعتمد علاج الحمى على السبب، ولكن هناك إجراءات عامة متبعة لتقليل درجة الحرارة وتخفيف الأعراض:

1. الأدوية الخافضة للحرارة

• الباراسيتامول (Paracetamol).

• الإيبوبروفين (Ibuprofen).

2. الراحة التامة

يُفضل البقاء في السرير وتجنب النشاطات المجهدة.

3. الترطيب الكافي

شرب كميات وفيرة من السوائل لمنع الجفاف.

4. الكمادات الباردة

تطبيقها على الجبهة والرقبة وتحت الإبطين يساعد في تقليل درجة الحرارة.

5. التهوية الجيدة ودرجة حرارة الغرفة المناسبة

تجنب البيئات الحارة أو المزدحمة.

6. علاج السبب الكامن

• المضادات الحيوية للعدوى البكتيرية.

• مضادات الفيروسات إن لزم.

• علاجات خاصة للسرطان أو الأمراض المناعية.

الوقاية من ارتفاع درجة الحرارة

لا يمكن تجنب الحمى بشكل مطلق، لكنها يمكن الوقاية منها عبر:

• الاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل اليدين.

• تلقي التطعيمات الموصى بها.

• تجنب الأشخاص المصابين بعدوى.

• تعزيز المناعة عبر التغذية المتوازنة والنوم الكافي.

• تجنب التعرض الطويل لأشعة الشمس.

الجدول التالي يوضح الفروق بين أنواع ارتفاع الحرارة:

الخلاصة

ارتفاع درجة حرارة الجسم ليس مرضاً في حد ذاته، بل عرض مهم يعكس وجود حالة مرضية تحتاج إلى تشخيص دقيق وتدخل مناسب. ففهم درجات الحرارة المختلفة، وآلية ارتفاعها، وأسبابها المتعددة، يسمح للأطباء والأفراد بالتعامل السليم مع هذه الحالة، وتجنب مضاعفاتها الخطيرة خصوصاً في الفئات الهشة. تبقى الوقاية، والتدخل السريع، والمتابعة الطبية أهم دعائم التعامل مع ارتفاع الحرارة، خصوصاً إذا اقترنت بأعراض خطيرة أو لم تستجب للإجراءات المنزلية الأساسية.

المراجع:

1. Mayo Clinic – Fever

2. World Health Organization – Fever management in children